هل نحتاج فعلاً إلى هذا الاجتماع؟
عن الاجتماعات التي تُعقد حين لا نعرف كيف نتحرّك.
في فرق العمل، لا غنى عن الحوار الجماعي أحيانًا.
هناك لحظات تتطلب أن نجلس سويًا، نفكر، نراجع، أو نقرّر.
سواء كان الاجتماع لتبادل الأفكار، لحل إشكال معقّد،
أو لإعادة ضبط مسار المشروع…
فهو أداة مهمّة إذا استُخدمت بوعي.
لكن..
المشكلة تبدأ حين يُصبح الاجتماع رد فعل تلقائي،
أو عادة لا تُسأل، أو وسيلة لإثبات “الانشغال” فقط.
حين يُعقد لا لأننا نحتاجه،
بل لأننا لا نعرف ما الذي يجب فعله بدلًا منه.
حين نلجأ للاجتماع لأن الرؤية غير واضحة
الاجتماع لا يُعوّض غياب الهدف،
ولا يُنظّم مشروعًا بلا إطار،
ولا يقدّم حلولًا حين لا أحد يعرف أصلًا ما المطلوب.
بعض الاجتماعات تُعقد فقط لأن الفريق لا يعرف ما يجب فعله.
أو لأن القائد لم يحدّد الخطوة القادمة،
أو لأن أحدهم لا يملك الصلاحية ولا الجرأة على اتخاذ القرار.
وهنا يكون الاجتماع هو الغطاء… لا الوسيلة.
دراسات لا تبالغ… فكم دليل نحتاج قبل أن نُخفّف الاجتماعات؟
في عالم الأعمال، قد نميل إلى التقليل من تأثير الاجتماعات على الإنتاجية، معتبرينها ضرورة لا مفر منها.
لكن الدراسات الحديثة تكشف عن واقع مختلف:
35% من الاجتماعات غير منتجة، وفق كلية لندن للاقتصاد، وغالبًا ما تُهيمن عليها الأصوات الإدارية العليا دون إفساح للمشاركة الحقيقية.
90% من الموظفين يشعرون بانخفاض في التركيز والحافز بعد الاجتماعات غير الفعالة، بحسب NYPost.
تقرير Microsoft وBCG أشار إلى أن كثرة الاجتماعات خفّضت إنتاجية فرق الأداء العالي بنسبة تصل إلى 40%.
دراسة من MIT Sloan Management Review وجدت أن تقليل الاجتماعات بنسبة 40% أدى إلى زيادة الإنتاجية بنسبة 71%، مع تحسن في التعاون والرضا الوظيفي.
حتى شركات كبرى مثل Shopify أعلنت رسميًا في 2023 إلغاء معظم الاجتماعات، ووصفتها بأنها:
“مقبرة الإنتاجية”.
أما إيلون ماسك، فقد كتب لموظفي Tesla:
“الاجتماعات الكثيرة داءٌ خطير. إذا لم تضف قيمة حقيقية، غادر الاجتماع فورًا.”
إذا كنت تحتاج للاجتماع بشكل دائم… فربما تحتاج شيئًا آخر؟
الاجتماعات المتكررة ليست دائمًا دليل عمل جماعي. أحيانًا، هي مؤشر على غياب أدوات أخرى أهم.
إذا وجدت نفسك بحاجة لاجتماع دوري من أجل المهام الأساسية، فتوقّف واسأل:
- هل لديّ مهارة الكتابة الواضحة التي توصل المطلوب دون شرح شفهي؟
- هل أستخدم أداة توثيق فعّالة تتيح للفريق الرجوع دون تكرار؟
- هل أستثمر وقتي فعليًا؟ أم أن الاجتماع أصبح تعويضًا عن سوء التخطيط؟
- هل أتواصل بوضوح؟ أم أعتمد على الاجتماع فقط لحل الفوضى التي أصنعها بنفسي؟
وأحيانًا، يكون السبب أبسط مما نتصور:
بعض الأشخاص لا يقرؤون الرسائل بتركيز، أو لا يفضلون التعامل مع المحتوى المكتوب، أو ببساطة… لا يرغبون في بذل جهد القراءة.
فيتحوّل الاجتماع إلى وسيلة لتجاوز الكسل، لا لحل فعلي.
الاجتماع ليس بديلًا عن القيادة.
وحين تضعف المهارة… يكثر الاجتماع.
وإن كان لا بد… فليكن اجتماعًا يُحترم
- اكتب بدل أن تجتمع. ما يمكن قوله برسالة واضحة لا يحتاج إلى اجتماع كامل وعرض تقديمي.
- اجعل الاجتماعات قصيرة ومباشرة. 15 دقيقة كافية إذا كان الهدف محددًا سلفًا، والنتيجة المتوقعة واضحة — سواء كانت قرارًا، مهمة، أو اتفاقًا مشتركًا.
- استخدم أدوات العمل بذكاء. Notion، Basecamp، Slack، أو Microsoft Teams كلها أدوات فعالة لتقليل الحاجة للاجتماعات التوضيحية. وفي كثير من السياقات العملية، يُحمَّل WhatsApp ما لا يحتمل — ورغم أنه ليس الخيار المثالي للتنظيم أو التوثيق، فإن رسالة واضحة عبره قد تكون أحيانًا أكثر فاعلية من اجتماع يُعقد بلا مبرر حقيقي.
- دع العمل يتحدث بدلًا من الاجتماع. استخدم لوحة المهام أو التحديثات المكتوبة لتوضيح التقدّم، بدلًا من تكرار ما هو ظاهر للجميع.
كما قال بول غراهام، مؤسس Y Combinator:
“الاجتماع هو ما يحدث عندما لا يستطيع الناس العمل.”
وقد لا تكون العبارة صحيحة دائمًا،
لكن تكرار الاجتماعات دون هدف يجعلها بالفعل عائقًا… لا دعمًا
نهاية لا تحتاج اجتماعًا..
الاجتماع بلا قرار، بلا توثيق، بلا أثر…
هو استنزاف لا يُرى، لكنه يُكلّف الفريق كثيرًا.
السؤال اليوم لم يعد:
كيف نعقد الاجتماع؟
بل:
لماذا نحتاجه أصلًا؟ وهل يمكننا الاستغناء عنه؟
وفي حال لم تجد إجابة واضحة…
فقد يكون غيابه أفضل من حضوره.