تخطى الى المحتوى

لا أحد يملأ الفراغ… والله وحده يفعل

اثير
اثير
2 دقائق قراءة

تمهيد لا بد منه…

هناك شعور يصعب الإمساك به أو تسميته بدقة.

هو ليس حزنًا واضحًا، ولا فرحًا ناقصًا… بل فراغ.

فراغ داخلي، كأن شيئًا ما فيك ناقص، حتى لو بدا كل شيء في الخارج مستقرًا.

أحيانًا، يظهر هذا الفراغ فجأة.

وأحيانًا يُوقظه حدث كبير: فقد شخص، انهيار علاقة، خيبة أمل، أو حتى تحقيق ما كنت تظنه كافيًا… ثم اكتشاف أنه لم يكن كذلك.

وهذا الفراغ ليس عيبًا فيك. بل هو إشارة.

إشارة إلى وجود مساحة لم تُبْنَ على شيء ثابت.

مساحة لم تُملأ بالله.

وهذه النصوص، لن تختصر الألم بكلمات سريعة، ولا تدّعي أن كل ما فُقد يعوّض بسهولة.

بل محاولة لإعادة ترتيب المفاهيم، لنفهم هذا الفراغ…

ولنعرف لماذا لا أحد، مهما كان، يستطيع أن يملأه.



الفراغ الذي لا يمكن ملؤه إلا بشيء واحد

في كثير من لحظات حياتنا، ننجز، نُحب، ننجح، ونرتبط…

لكن مع كل ذلك، قد يبقى في داخلنا شيء ساكن لا يُروى.

نحاول أن نملأه بعلاقات، بعمل مستمر، بأفكار جديدة، أو حتى بصمت طويل.

ومع الوقت، نكتشف أن هذا الفراغ لا يمتلئ.

لأننا ببساطة نوجّه محاولات الملء لجهة لا تملك ما نحتاج.

تقول ياسمين مجاهد في كتابها استرجع قلبك:

“كل مرة نحاول فيها ملء الفراغ الداخلي بشيء غير الله، فإننا نتعلّق… ثم ننكسر حين لا يمنحنا ما توقعناه.”


التعلّق ليس هو الحب

التعلّق قد يبدو مثل الحب، لكنه مختلف عنه تمامًا.

الحب الحقيقي يمنحك سكينة، أما التعلّق فيجعلك دائم القلق.

الحب يُبقيك متزنًا، أما التعلّق يُفقدك نفسك إذا اختفى ما تعلّقت به.

تقول ياسمين:

“الحب الحقيقي يحدث سكونًا، لا توترًا. الحب الحقيقي يتيح لك أن تكون بسلام مع نفسك ومع ربك.”

نحن نخلط بين التقدير والتعلّق، بين الاحتياج الطبيعي والتسليم الكامل.

والنتيجة؟ أن ما نُعلّق عليه اتزاننا العاطفي… يصبح نقطة ضعفنا.

وقد قال الله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾

لأن الأصل في الحب أن يُوجّه لمن لا يتغيّر، ولا يُفقد، ولا يُقيّدنا به شيء.


الفقد يكشف، لا يُدمّر

ما الذي يحدث عندما نفقد شيئًا تعلّقنا به؟

يعود الفراغ، لكن هذه المرة أقوى.

وكأن ما فقدناه لم يكن مجرد شيء أو شخص… بل ما كنا نظنه كل شيء.

لكن الفقد، رغم قسوته، يكشف.

يكشف مقدار تعلّقنا، ويختبر ثباتنا، ويعيدنا لسؤال جوهري:

هل كنت أعيش معتمدًا على هذا الشيء، أم على الله؟

تقول ياسمين:

“أحيانًا لا يُنقذنا الله إلا عندما يأخذ.”

الله، في لطفه، لا يتركنا نغرق في التعلّق دون أن يوقظنا…

وأحيانًا، لا يكون هذا الإيقاظ إلا عن طريق الفقد.

فنتألم، نعم. لكننا نرى الحقيقة بوضوح لأول مرة.




لا أحد يُكملك… الله فقط

نسمع كثيرًا عبارات مثل: “هذا الشخص يُكملني”، أو “بدونه لا أستطيع الحياة”.

لكن الحقيقة أن الكمال لا يأتي من الخارج.

ولا أحد يملأ داخلك إلا من خلقه.

حين تبني حياتك على الله، لا تفقد نفسك إذا خَسرت.

ولا تضيع إذا تغيّر الناس.

لأنك لم تَسكن فيهم… بل سكنت في من لا يتغير.




النهاية… أو البداية

هذه ليست دعوة للانسحاب من الحياة، ولا لترك الحب أو الطموح أو العلاقات.

بل هي دعوة لإعادة التوازن.

أن تُحب من قلبك، لكن دون أن تُسلم قلبك.

أن تعيش بكامل شغفك، دون أن تُحمّل الدنيا ما لا تملكه لك.

أن لا تجعل إنسانًا، أو شيئًا، هو مركز استقرارك… لأن كل ما في هذه الدنيا قابل للتغير، إلا الله.


الفراغ الذي تشعر به ليس نهاية… بل بداية.

بداية علاقة صادقة مع الله، لا تتغير بغياب أحد، ولا تنكسر إذا فُقد شيء.

لأنك أخيرًا عرفت من الذي يملأك… حين يعجز كل شيء آخر.

العلاقات والمشاعرالداخل والروحالمرونة النفسية

المنشورات ذات الصلة

التقدّم البطيء.. حين نعيد فهم معنى التغيّر

نبدأ بشغف. نضع الأهداف، نخطط، نتحمّس، ونتحرّك. ثم، مع مرور الأيام، تبدأ الخطوة بالتباطؤ، ويتسلل الشك: هل ما أفعله يُحدِث فرقًا؟ أم أنني أُرهق نفسي دون نتيجة؟ ما يُربك في التقدّم البطيء أنه لا يَمنحنا إشارات فورية. لا يُكافئنا سريعً

دعهم… وستعرف نفسك

كثير مما يربكنا لا يأتي من الناس، بل من محاولتنا ضبط كل شيء حولهم. أن نفهم، أن نُفهم، أن نتدارك ما يمكن أن يتغيّر قبل أن يتغيّر. نقضي وقتًا طويلًا ونحن نُراقب ردود أفعالهم، ونفترض مسؤوليتنا عنها. Mel Robbins تقولها ببساطة: “دعهم.” لا بوصفها

أن تملك الشيء، دون أن يُقيّدك (عن الزهد)

حين يُذكر الزهد، ما الذي يتبادر إلى ذهنك؟ غالبًا: صورة شخص ينسحب من الحياة، يرفض المال، ويتخلّى عن المتع. تُختزل الفكرة في مشهد تقشفي جامد، كأن الزهد يعني أن تُفرغ حياتك من كل شيء. لكن… هل هذا هو الزهد فعلًا؟ وهل هو شيء يمكن