تخطى الى المحتوى

التقدّم البطيء.. حين نعيد فهم معنى التغيّر

اثير
اثير

نبدأ بشغف.

نضع الأهداف، نخطط، نتحمّس، ونتحرّك.

ثم، مع مرور الأيام، تبدأ الخطوة بالتباطؤ، ويتسلل الشك:

هل ما أفعله يُحدِث فرقًا؟

أم أنني أُرهق نفسي دون نتيجة؟


ما يُربك في التقدّم البطيء أنه لا يَمنحنا إشارات فورية.

لا يُكافئنا سريعًا، ولا يُرضي توقّعاتنا المعتادة من التغيّر.

ولهذا، يُساء فهمه كثيرًا… رغم أنه غالبًا الشكل الأصدق للتحوّل الحقيقي.

لماذا نُفضّل التغيير السريع؟

العقل البشري مهيأ لتتبع النتيجة.

كل مرة ننجز شيئًا ملموسًا، يُفرَز في الدماغ الدوبامين،

مادة تمنحنا شعورًا بالمكافأة، وتربط بين الفعل والرضا.

ولهذا نميل إلى السلوكيات التي تُظهر أثرًا مباشرًا:

  • انخفاض سريع في الوزن بعد رجيم قاسٍ
  • تغيّر ملحوظ بعد أسبوع من الصيام أو التمرين
  • إعجاب من الآخرين في بداية الالتزام بأي نظام
  • أو حتى شراء دفتر أو تطبيق، يُوهمنا بأن التنظيم بدأ فعليًا

هذه اللحظات تُرضي العقل، لأنها تمنحه ما يُشبه التصفيق السريع.

لكنها لا تُعبّر دائمًا عن تغيّر حقيقي أو مستقر.

ماذا يحدث حين تغيب المكافأة الفورية؟

حين نبدأ بتغيير عميق: تحسين النوم، بناء لياقة، تهذيب علاقة مع الطعام أو الجسد…

نلتزم، نعم.

لكننا لا نرى ما يُطمئننا فورًا.

تأخّر النتيجة يُربك الدماغ، ويضعف شعور المكافأة.

ومع غياب هذا الشعور، يبدأ التراجع.

لا لأن الطريق خاطئ، بل لأن العقل لم يُكافَأ بعد.

وهنا تظهر قيمة “التقدّم البطيء”

التقدّم البطيء لا يعتمد على الحماس،

ولا يستند إلى القفزات.

إنه يبنى على التكرار،

ويُقاس بما يدوم لا بما يُبهر.


وهو لا يُجاري تلك اللهفة للنتيجة

بل يُعيد ترتيب علاقتنا بها.

لأنه لا يُراكم الأثر من خلال الانفعال،

بل من خلال الثبات.

ما يجعله فعّالًا: "الاستمرارية"

البطء لا يصنع أثرًا بذاته،

بل يصبح فعّالًا حين يرافقه تكرار.

حتى أصغر الأفعال، حين تتكرّر، تصنع أثرًا لا يُرى في يومه الأول.

كما قال جيمس كلير:

“العادات مثل الفائدة المركّبة… تتضخم مع الوقت، حتى لو بدت ضئيلة في البداية.”


ما نحتاجه ليس تغييرات درامية،

بل نمطًا يمكن الاستمرار عليه، دون إنهاك.

غير أن الاستمرار بدوره لا يُمكن دون "صبر"

الصبر هنا لا يعني الانتظار السلبي،

بل هو القدرة على التحمل دون إشارات خارجية.

أن نستمر رغم أن لا شيء “واضح” بعد.

أن نفعل، لا لأن النتيجة ظهرت، بل لأن الفعل ذاته يهمّ.


إنه نوع من الثقة الصامتة،

التي تقول: “أنا لا أرى النتيجة بعد،

لكنني أعلم أنني أزرع.”

ولهذا، لا يكفي أن نُحسن البداية

بل نحتاج إلى نظام بسيط، واقعي، يمكن تكراره حتى في الأيام العادية.

كما قال:

“You do not rise to the level of your goals. You fall to the level of your systems.”

الهدف يُلهم.

لكن النظام هو ما يُغيّر.

وحين يكون النظام متزنًا، غير قاسٍ،

يصير الاستمرار ممكنًا… حتى حين يتراجع المزاج، أو تنخفض الطاقة.

التقدّم البطيء… ليس تأخيرًا، بل شكل آخر من الفهم

هو طريقة للتعامل مع الذات دون استعجال،

ودون جلد،

ودون حاجة لإثبات شيء لأحد.

لأنه لا يطلب نتيجة فورية،

ولا يبني قيمته على التصفيق،

بل يراكم أثره بهدوء،

ويمنحنا فرصة حقيقية لننمو، لا لننقلب على أنفسنا في منتصف الطريق.

أخيراً.. لكم كل التوفيق وكل النجاح، ولو كان بطيئًا… لكنه حقيقي

التحسين المستمرالداخل والروحالمرونة النفسية

المنشورات ذات الصلة

الابتكار.. ممارسة وليس شعار

بين ما يُقال، وما يُمارَس في السنوات الأخيرة، أصبح الابتكار من أكثر المفاهيم تداولًا في بيئات الأعمال والمؤسسات العامة والخاصة. نسمع عنه كثيرًا، نراه في العروض التقديمية، ونقرأه في الاستراتيجيات والتقارير السنوية. لكن التحدي الحقيقي ليس في ذكر الكلمة، بل في ممارستها. وهنا تحديدًا،

لا أحد يملأ الفراغ… والله وحده يفعل

تمهيد لا بد منه… هناك شعور يصعب الإمساك به أو تسميته بدقة. هو ليس حزنًا واضحًا، ولا فرحًا ناقصًا… بل فراغ. فراغ داخلي، كأن شيئًا ما فيك ناقص، حتى لو بدا كل شيء في الخارج مستقرًا. أحيانًا، يظهر هذا الفراغ فجأة. وأحيانًا

دعهم… وستعرف نفسك

كثير مما يربكنا لا يأتي من الناس، بل من محاولتنا ضبط كل شيء حولهم. أن نفهم، أن نُفهم، أن نتدارك ما يمكن أن يتغيّر قبل أن يتغيّر. نقضي وقتًا طويلًا ونحن نُراقب ردود أفعالهم، ونفترض مسؤوليتنا عنها. Mel Robbins تقولها ببساطة: “دعهم.” لا بوصفها